rd

  • تعريف الوقف

تعريف الوقف شرعًا هو: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع على وقوف وأوقاف

وقيل هو: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة

 

  • أدلة الوقف من القران والسنة

اعلموا عباد الله أن الوقف من العبادات التي شرعها الله تعالى وحث عليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم-وسارع إلى العمل بها والضرب في شتى ميادينها وإليكم أيها الأحباب أدلة الجواز

أما الأدلة من الكتاب فقوله – تعالى -: ﴿ َمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، ولما سمعها أبو طلحة رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وإن أحب أموالي إلي ( بيرحاء ) وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال: بخ ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.

 وقال سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]

ومن السنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.

 والصدقة الجارية محمولة على الوقـف عند العلماء، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها.

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.(أخرجه ابن ماجه).

 عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تامر به قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متمول قال (الراوي): فحدثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثل مالا. أخرجه البخاري.

 وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قـدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: " من يشتري بئر رومة فيجعل منها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي رواه البخاري ومن الأدلة العملية ما رواه عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة.

 قـال ابن حجر - رحمه الله - (إنه تصدق بمنفعة الأرض صار حكمها حكم الوقف(

وقـد ذكر العلماء -رحمهم الله -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم -أوقف أموالا متعددة من أراض ومزارع مما أفاء الله عليه وبعد ذلك تتابع الصحابة رضوان الله عليهم في الوقف حتى إن جابرا رضي الله عنه قـال: (لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف)، وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعا.

 ونظام الوقف باعتباره نظاما خيريا موجود منذ القدم بصور شتى، إلا أنه من المؤكـد أن نظام الوقف في الإسلام بشكله الحالي.

 

  • مجالات الوقف

أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الوقف في الإسلام له مجالات واسعة شاملة لشتى مناحي الحياة

هاكم عباد الله بعض تلك المجالات بحول رب الأرض و السماوات.

 

 الأول: حفظ الدين وبيضته:

وذلك عن طريق الإسهام في جميع الأوقاف التي تخدم الجانب الدينيّ، كوقف السلاح والمصاحف والكتب، والمساجد والدور والزوايا والأربطة ودور العلم والمدارس والمكتبات، وأوقاف الحرمين والهيئات الدعوية والمرافق التابعة لكل ذلك، واستثمارُ الأوقاف المخصصة لها، وجعل غلتها في مصلحتها كما بينا وسيتبين.

 الوقف على المساجد:

و لقد ساهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- في الوقف على المساجد و الجهاد في سبيل الله و نذكر لكم عدة أمثلة

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ كَانَ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَامِنُونِي بِهِ يَا بَنِي النَّجَّارِ، قَالُوا: لا نَبْتَغِي بِهِ ثَمَنًا إِلا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَطَعَ النَّخْلَ، وَسَوَّى الْحَرْثَ، وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ) (أخرجه البخاري )

حديث أبي طلحة - رضي الله عنه - في وقفه لأحب ماله إليه (بيرحاء) صدقة جارية لله، معروف ومشهور.

 الوقف على الجهاد في سيبل الله:

عن عمر، قال: كانت أموالُ بني النضيرِ مِمَّا أفاء الله على رسوله مما لم يُوجِفِ المسلمون عليه بخَيلٍ ولا رِكَابٍ، كانت لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - خالصاً، يُنفِقُ على أهل بيتِه -قال ابن عَبْدةَ: يُنفِق على أهلِه- قُوتَ سنةٍ، فما بقي جُعِلَ في الكُراعِ وعدَّةً في سبيل الله. أخرجه البخاري ومسلم

وأمَّا خالد -رضي الله عنه - فقد احتبس أدراعَه وأعتُدَه في سبيل الله.

 عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة قال سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة واستخلف عياض بن غنم الفهري فلم يزل خالد معه حتى مات عياض بن غنم فاعتزل خالد إلى ثغر حمص فكان فيه وحبس خيلا وسلاحا فلم يزل مقيما مرابطا بحمص حتى نزل به فدخل عليه أبو الدراداء عائدا له فقال خالد بن الوليد إن خيلي هذه التي حبست في الثغر وسلاحي هو على ما جعلته عليه عدة في سبيل الله وقوة يغزى عليها ويعلف من مالي وداري بالمدينة صدقة حبس لا يباع ولا يورث وقد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ليالي قدم الجابية وهو كان أمرني بها ونعم العون هو على الإسلام والله يا أبا الدرداء ألئن مات عمر لترين أمورا تنكرها )أخرجه ابن عساكر في تاريخه

ووقف الملكُ المظفر الأول تقي الدين عمر بن شاهنشاه صاحب حماة وقفًا على جماعة خيَّالة ورجَّالة برسم الجهاد، وشرط عليهم أن يكونوا في أقرب الموانئ إلى دمشق، فصاروا يجولون على شواطئ البحر المتوسط، حتى إذا استوطن المسلمون مدينة بيروت -بعد دحر الصليبيين وإخراجهم منها-استقر المجاهدون فيها لقربها من دمشق.

 

 الثاني : الوقف لحفظ العرض والنسل:

ومن مجالات الوقف: الوقف لحفظ العرض والنسل ويُعد الوقف من أبرز الوسائل المعينة على ذلك، عن طريق الأوقاف المختصة بتجهيز المتزوجات وتزويج المسلمين، وتزويدهم بما يحتاجونه من أثاث ومتاع وماعون ونحوها.

كما له فضل كبير في القضاء على كل ما يضر بجانب العرض، ويكفي أن تتأمل - يا رعاك الله - فيما خرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، قال: اللهم، لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم، لك الحمد على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته".

 

 وقف الأعراس:

وقف لإعارة الحُلى والزِّينة في الأعراس والأفراح، يَستعير الفقراء منه ما يَلزمهم في أفراحِهم وأعراسهم، ثم يُعيدون ما استعاروه إلى مكانه، وبهذا يتيسَّر للفقير أن يَبرز يوم عرسه بحُلَّة لائقة ولعروسه أن تجلَّى في حُلَّة رائقة؛ حتى يَكتمل الشُّعور بالفرح، وتَنجبِر الخَواطِر المَكسورة.

 

الثالث : الوقف على الفقراء والمساكين:

ومن مجالات الوقف: الوقف على الفقراء و المساكين وقف الأراضي و الشركات و المياه على المحتاجين من المسلمين.

 

 الواقع التطبيقي:

فها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صاحب أوَّل وَقْف في الإسلام - فقد أصاب عمر أرضًا بِخَيبر، فأتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصبتُ أرضًا بخيبر، لَم أُصِب مالاً قطُّ أنفس عندي منها، فما تأمرُني به؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم -: ((إن شِئتَ حبستَ أصلَها، وتصدَّقتَ بثمرتِها)) فجعَلها عمر صدقةً، لا تُباع، ولا توهب، ولا تُورث، وتصدَّق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل، وفي الرِّقاب والغُزَاة في سبيل الله والضَّيف، لا جناح على مَن وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، وأن يطعم صديقًا غير متموَّل منه؛ رواه البخاري ومسلم.

وذكر الأديب الكبير "محمد كرد علي" في (خطط الشام): ".. ومن غريب الأوقاف وأجملها: قصر الفقراء الذي عمَّره في ربوة دمشق نور الدين محمود بن زنكي فإنه لما رأى في ذلك المتنزه قصورَ الأغنياء، عزَّ عليه أن لا يستمتع الفقراءُ مثلهم بالحياة، فعمَّر القصر ووقف عليه قرية "داريا"، وهي أعظم ضياع "الغوطة" وأغناها"، وفي ذلك يقول تاج الدين الكندي:

 

 إنَّ نور الدين لما أن رأى 

في البساتين قصورَ الأغنياءِ 

عمَّر الربوة قصرًا شاهقًا 

نزهة مطلقة للفقراءِ

 

الرابع: الوقف التعليمي

ومن مجالات الوقف:الوقف التعليمي على العلماء وطلبة العلم   و ذلك عملا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.(أخرجه ابن ماجه).

ففي المجال التعليمي والثقافي، انتشرت المكتبات ودُور العلم، وظهرت المدارس الوقفية ومرافقها، وما في ذلك من خدمات، كما أوقفوا لتلكم الأوقاف الاستغلاليةِ أوقافًا استثماريةً تجارية تعود غلَّتها عليها أيضًا:

فكانت الخانقاه أولًا "تم إنشاء مدرسة بنيسابور منذ بداية القرن الرابع الهجري، أنشأها الإمام أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الشافعي"، والخانقاه عند أهل اللغة: "بُقْعَةٌ يَسْكُنُها أَهْلُ الصَّلاةِ والخَيْرِ، والصُّوفِيَّة"، وزاد عليها ابن حبان وظيفة التعليم.

ذكر الصلابي: "مدرسة أبي الوليد قبل سنة (349هـ)، ثم مدرسة محمد بن عبدالله بن حماد (ت 388هـ)، فيحتمل أن تكون دورًا أو خانقاه، والله أعلم.

في هذه المرحلة ظهرت دُور العلم ومكتباتها، وهي دُور أشبه بالمدارس بل بالجامعات، والله أعلم.

 

قال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة من أحداث سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة:

"وفيها ابتنى الوزير أبو نصر سابور بن أردشير دارًا بالكرخ، سماها دار العلم، ووقفها على العلماء، ونقل إليها كتبًا كثيرة"، وربما تكون هذه أول مدرسة كاملة، والله أعلم.

ثم وجدت أن الحافظ ابن كثير قد أطلق عليها اسم المدرسة، فقال:"وفيها ابتاع الوزير أبو نصر سابور بن أزدشير دارًا بالكرخ، وجدد عمارتها، ونقل إليها كتبًا كثيرة، ووقفها على الفقهاء، وسماها دار العلم، وأظن أن هذه أول مدرسة وُقِفت على الفقهاء، وكانت قبل النظامية بمدة طويلة".

المقريزي في المواعظ "والمدارس مما أُحدث في الإسلام، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة، وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور، فبُنيت بها مدرسة البيهقية "، وقد تقدم وجود المدارس قبلها، والله أعلم.

 

 الخامس: الرعاية الصحية:

إخوة الإسلام نحن أمة ذات مجد وحضارة وذات تأصيل وأصالة فقد كان الوقف الصحي من اهم الأمور التي اهتم بها المسلمون فأسسوا المستشفيات ودور الرعاية الصحية وأوقفوها على المسلمين.

لذا نجد أن أول مستشفى بعد بعثة خير الخلائق محمد صلى الله عليه وسلم كان وقفا أسس في عهد الوليد بن عبد الملك وخصص هذا المستشفى لعلاج المجذومين وبه أطباء متخصصون وتجري على المرضى فيه الأرزاق والرواتب للعاملين.

وكذا وقفت المستشفيات للمدارس أيضا لعلاج طلبة العلم والعلماء، ومستشفيات للفقراء والمساكين كالمستشفى النوري الكبير الذي أسسه السلطان العادل الشهير نور الدين سنة 549 هـ.

ويذكر ابن جبير في رحلته: أنه لما ورد بغداد، وجد حيًّا من أحيائها كان يسمى بسوق المارستان، كل ما تحويه من مرافق ومبان أوقاف لعلاج المرضى، فكان بمثابة حيٍّ طبيٍّ، وكان هذا الحي قبلة كل مريض، حيث يجد فيه طلبة الطب والأطباء والصيادلة الذين أخذوا على عاتقهم تقديم خدماته لقاء ما كان يجري عليهم من الخدمات والنفقات من أموال الوقف.

 

السادس: الوقف على الحيوان:

ومن عجائب وغرائب الوقف: الوقف على الحيوان ورعايته فقد كان من مجالات الوقف على الكلاب الضالَّة:

وقْف في عدَّة جِهات يُنفَق من ريعه على إطعام الكلاب التي ليس لها صاحِب؛ استنقاذًا لها مِن عذاب الجُوع، حتى تَستريح بالموت أو الاقتناء.

 

أهـداف الوقـف:

اعلم بارك الله فيك: أن للوقف أهداف سامية تلك الأهداف تنبع من إيمان الواقف وطلبه للمثوبة في الدنيا والآخرة نذكر منها:

الهدف الأول:

رجاء الأجر والمثوبة من الله تعالى: فالواقف يسعى لمرضات الله و طلب جنته بتلك الحسنات الجارية التي يدرها ذلك الوقف عليه في حياته و بعد مماته.

 الهدف الثاني:

تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد الأمة، وإيجاد عنصر التوازن بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم؛ إذ يعمل الوقف على تنظيم الحياة من خلال تأمين حياة كريمة للفقير وإعانة العاجزين من أفراد الأمة، وحفظ كرامتهم، من غير مضرة بالأغنياء، فيتحصل من ذلك مودة وألفة وتسود الأخوة، ويعم الاستقرار.

 وبذلك يؤكد الوقف أواصر المحبة والقربة والأخوة الإسلامية حين يكون على الذرية، أو الأقارب والأرحام، أو أوجه البر والإحسان.

 

الهدف الثالث:

يضمن الوقف بقاء المال وحمايته، ودوام الانتفاع به، والاستفادة منه أكبر مدة ممكنة والمحافظة عليه من أن يعبث به من لا يحسن التصرف فيه. وهذا من شأنه أن يضمن للأمة نوعاً من الرخاء الاقتصادي، والضمان المعيشي.

 الهدف الرابع:

نشر روح التعاون و المحبة بين المسلمين: فقد كان لانتشار الأوقاف الخيرية و المنافع العامة دور في غرس الخلاق الاعتدال و المحبة و الرحمة بين المسلمين و أن تخفيف المشاعر و الأمراض النفسية المتمثلة في الأنانية و البخل و الشح بالنسبة للواقفين و الكراهية و الحسد بالنسبة للمستضعفين و تصبح العلاقات القائمة في المجتمع هي التعاون وتبادل المنافع و المحبة و التراحم و الرحمة و الإخلاص في المجتمع.

 الهدف الخامس:

تخفيف الأعباء الاجتماعية على الدولة: إن من اهم الأهداف التي يحققها الوقف هو تخفيف الأعباء عن كاهل الدولة وخاصة من الناحية الاجتماعية والصحية والتعليمة.

 الهدف السادس:

استقلالية العلماء: فالوقف على العلماء والدعاة وطلبة العلم يؤدي إلى استقلالية العلماء وأن لا يؤثر عليهم أحد في معاشهم لذا كان العلماء قبل ذلك اكثر جرأة و اقوى كلمة من الفترة الأخيرة و لقد وعى الاستعمار و الطغاة لهذه الفائدة فاخذوا في تقليص و بيع الوقف مما أدى إلى تبعية العلماء في مرتباتهم إلى الجهات الحكومية التي تضغط عليهم فاصبحوا أبواقا للحكومات ينفذون ما تامرهم و يطيعونها في كل شان نظير ما يتقاضون من مرتبات.

 

حرمة مال الوقف وحمايته:

أمة الإسلام:مال الوقف يعد من المال العام الذي حرم الله تعالى عليه وجرم سبحانه أكله وتوعده بالعذاب الأليم قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188.

والله - عزَّ وجلَّ - توعَّد بالوعيد الشديد لِمَن أخَذَ من المال العام شيئًا، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161

 

 

ما هي الوسائل التي بها نُحافظ على بَقَاء الوقف واستمراره؟

  • ضَبَطَ الإسلام التصرُّف في المال بحدود المصلحة العامة التي قف من أجلها عن نافع عن ابن عمر أن عمر تصدق بمالٍ له على عهد رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) وكان يقال له ثمغٍ وكان نخلاً فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيسٌ فأردت أن أتصدق به فقال النبي ((صلى الله عليه وسلم)) تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره) أخرجه البخاري
  • كما حرَّم الإسلام الاعتداء على مال الغير بالسرقة، أو السطو، أو التحايُل، وشَرَع العقوبة على ذلك؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38

وأوْجَبَ الضمانَ على مَن أتْلَفَ مالَ غيره؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه، وماله، وعِرْضه))

 و لا خِلافَ بين الفقهاء في أنَّ مَن أتْلفَ شيئًا من أموال بيت المال بغير حقٍّ، كان ضامِنًا لِمَا أتْلَفَه، وأنَّ مَن أخَذَ منه شيئًا بغير حقٍّ لَزِمَه ردُّه، أو ردُّ مِثْله إنْ كان مثليًّا، وقِيمته إنْ كان قِيميًّا،

  • مَنَعَ الإسلام إنفاقَ المال في الوجوه غير المشروعة، وحثَّ على إنفاقه في سُبل الخير، وذلك مبنيٌّ على قاعدة من أهمِّ قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وهي أنَّ المال مالُ الله، وأنَّ الفردَ مستخلفٌ فيه ووكيلٌ؛ قال -تعالى -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]، ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33

  و أوجب على المتعدي عليه النار: في الصحيحين عن عمر - رضي الله عنه -: "لَمَّا كان يوم "خَيْبر" أقْبَلَ نفرٌ من صحابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ؛ إني رأيْتُه في النار في بُرْدَة غَلَّها أو عَبَاءَة))، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا ابن الخطاب، اذْهَبْ فنادِ في الناس، أنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))، قال: فخرجتُ، فناديتُ: ألاَ إنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".

 

كن سبباً في الهداية إلى الإسلام